منتديات بحر النجوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات بحر النجوم



 
الرئيسيةالرئيسية  منتدىمنتدى  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
نور القمر
الــمــديـر الــعــام
الــمــديـر الــعــام
نور القمر


ذكر
عدد الرسائل : 2322
العمر : 35
ااعلام الدول : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Dz10
الوسام : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة W4
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Empty
مُساهمةموضوع: نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة   نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Icon_minitime1/12/2010, 13:01

نظرة تاريخية إلى مفهوم الشفاعة لدى الأمم السابقة




موضوع الشفاعة ذو سوابق تاريخية عريقة في الأمم الماضية والأديان الباطلة، إذ نجد هذا الموضوع في العقائد الأسطورية للإغريق وفي الديانة الزردشتية وفي الأديان المصرية القديمة وفي بابل وفي الديانة النصرانية وأخيراً لدى مشركي الحجاز وعُبّاد الأصنام العرب الذين كان لعقيدة الشفاعة لديهم أهميةٌ بالغةٌ وجذورٌ عميقةٌ بل تمثِّل هذه العقيدةُ الركيزةُ الأساسيةُ في ديانتهم الشركيّة.



وعلَّة ذلك أنه بعد إيمان البشر بوجود إلهٍ عظيمٍ كانوا يتصوّرون وجود آلهةٍ خاضعةٍ له ولكلٍّ منهم منصبٌ ودورٌ عُهد إليه في تسيير شؤون أمور العالم، فهو يقوم بتدبير شأن من شؤون الخليقة، فكان أولئك الوثنيون يصرفون وجوه العبادة والتذلل إلى تلك الآلهة، فمثلاً يطلبون -في أيام القحط- المطرَ من إله المطر، ويقدّمون له القرابين لرفع غضبه، ويقدّمون لإله النهر والبحار القرابين التي كانت أحياناً فتيات جميلات يرمون بهنَّ في نهر النيل جلباً لرضا إلهه وتفادياً لغضبه الذي يؤدي إلى طغيان مائه وطوفانه.



وهكذا كان هناك إلهٌ للحرب وإلهٌ للسلام..الخ، إلى أن جاء دين زردشت فعدّل الأمر ودعا إلى الإيمان بمدبِّرٍ واحدٍ للكون وصانعٍ للعالم «يزدان» وأن هناك إلهاً ثانياً هو إله الشرِّ «اَهريمن» والذي هو مصدر الشرور في العالم (الذي سيخضع لإله الخير في النهاية)، وبذلك أُحيلت جميع الآلهة الأخرى إلى التقاعد وتحوّلوا إلى ملائكة يعملون برتق وفتق أمور العالم بأمر (يزدان).



كما تطوّرت أساطير الإغريق حول الآلهة من خلال انتشار آراء الفلاسفة اليونانيين القدماء وتحوَّلت إلى القول بالعقول العشرة والأفلاك التسعة، وتلك الآلهة والملائكة والعقول والأفلاك رغم أنها أخلت مكناها -فيما بعد- لِـلَّهِ الواحد العظيم وأصبحت خاضعة لرئاسته إلا أنها بقيت محتفظة في مقامها الاختصاصي بنوع من الاستقلال لأن أساطير اليونانيين كانت تَعْتَبِرُ أن مبدأ الوجود الأول الذي فاضت عنه سائر الكائنات هو على درجة من التجرُّد والتعالي تجعله أرفع شأناً وأجلّ مرتبةً من أن يهتمّ بأمور الخليقة السُفلى ويشتغل بقضاياها من إحياء وإماتة ورزق وعطاء وسائر أمور وجزئيات العالم، لا بل يجلّ عن إدراك تلك الجزئيات! ولذلك فمثل هذه الأمور كانت من مسؤولية الملائكة والآلهة الصغيرة أو الوسطاء والشفعاء الذين ينبغي على الناس أن يتجهوا من خلالهم إلى الإله الكبير، لذا كان الناس الجاهلون في خوف ورجاء دائمَين من إعراض وإقبال تلك الآلهة، وقد ترك هذا أثره في مفهوم التشفُّع بالملائكة لدى عرب الجاهلية المشركين الذين كانوا يتصوَّرون تلك الملائكة العظام بوصفها بنات الله فيعبدونها رجاء منهم أن تشفع لهم عند الله وتقرّبهم إلى الله زُلْفَى، وقد نقلت لنا كتب أخبار وقصص العرب طرفاً من تلك العقائد فمثلاً يذكر الآلوسي في كتابه «بلوغ الأرب» (ص253/ج2) أن العرب كانوا يعتقدون أن حملة العرش أربع ملائكة كل واحد منها بشكل كائن ذي روح والذي في صورة آدم هو الذي يشفع للبشر والذي على شكل نسر هو الذي يشفع للطير!.



فمسألة شفاعة الملائكة ذات تاريخ قديم في الأديان الماضية، ولما وُجدت الأنظمة الملكية بين البشر ونشأت مؤسسةُ السلطنة والرئاسة وتقريبُ الأفراد وإبعادُهم ومكافأتُهم وعقابُهم، ثم تتطور الأمر إلى أن الأشخاص الذين كان السلطان أو رئيس العشيرة أو القبيلة يغضب عليهم يلتجئون إلى أقرباء وأعزّاء وحاشية السلطان أو الرئيس ويستفيدون من جاهه لدى السلطان ليحميهم من غضبه وسخطه، كانت النتيجة الحتمية لذلك أن تقع محبة الشفيع في قلب المتشفِّع فيكرمه ويخدمه.



فمنشأ الاعتقاد بهذه الشفاعة هو التعوّد على ما اعتاده البشر في أنظمة السلاطين الجبّارين الذين لديهم أشخاص مُدَلَّلُون ومُقَرَّبُون منهم يمكن لمن ارتكب إثماً واستحقَّ عقاباً أن يلجأ إليهم لينقذوه من غضب السلطان ويرفعوا عنه عقابه.



هذه العقيدة ذاتها سرت إلى المتدينين الذين تصور عوامُّهم أن الآلهة الصغيرة أو الأوثان المعبودة أو الملائكة العظام أو الأنبياء والأولياء لهم معزّة واحترام وجاه لدى الله على نحو يمكِّنهم من التوسط لديه والتأثير عليه ليغيِّر حكمه ويرفع عقابه، لذا لا بد من اللجوء إلى هؤلاء الشفعاء عند القحط والغلاء والتوسل إليهم ليشفعوا لمحبيهم وعابديهم عند الله حتى يرفع عنهم ذلك البلاء!. وكانت مثل تلك الشفاعة تُطْلَبُ في بادئ الأمر لأجل الأمور الدنيوية وإصلاح أمور المعاش ولم تكن لأجل الأمور الأخروية لأن عرب الجاهلية المشركين، الذين كان لموضوع الشفاعة في دينهم - كما ذكرنا - أهمية بالغة وانتشار واسع، لم يكونوا يؤمنون بالمعاد، فكانوا يعبدون الأصنام رجاء نفعها لهم في الدنيا وكشفها الضر عنهم ويبررون ذلك بأنها شفعائهم عند الله: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس:18].



هذا وقد جاء في التواريخ المعتبرة أن منشأ عبادة الأصنام بين عرب الجاهلية يعود إلى «عَمْرَو بْنَ لُحَيّ» الذي كان من طبقة الأشراف في مكة و«خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى الشّامِ فِي بَعْضِ أُمُورِهِ فَلَمّا قَدِمَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ الْعَمَالِيقُ - وَهُمْ وَلَدُ عِمْلَاقٍ، وَيُقَالُ عِمْلِيقُ بْنُ لَاوِذْ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ - رَآهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ فَقَالَ لَهُمْ مَا هَذِهِ الْأَصْنَامُ الّتِي أَرَاكُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا لَهُ: هَذِهِ أَصْنَامٌ نَعْبُدُهَا، فَنَسْتَمْطِرُهَا فَتُمْطِرُنَا، ونَسْتَنْصِرُهَا فَتَنْصُرُنَا، فَقَالَ لَهُمْ أَفَلَا تُعْطُونَنِي مِنْهَا صَنَمًا فَأَسِيرَ بِهِ إلَى أَرْضِ الْعَرَبِ، فَيَعْبُدُوهُ؟ فَأَعْطَوْهُ صَنَمًا يُقَالُ لَهُ «هُبَلُ» فَقَدِمَ بِهِ مَكّةَ، فَنَصَبَهُ وَأَمَرَ النّاسَ بِعِبَادَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ.»(Cool، واستمر ذلك إلى الحدِّ الذي انتظر فيه المشركون وتمنَّوا من حضرة النبيِّ محمِّدٍ رسولِ الله أن يوافق على عبادة أصنامهم لأن شفاعتها مرجوَّة! كما هو مسطور في قصة «الغرانيق» حين نطق الشيطان بجملة «تلك الغرانيق العلا وإنَّ شفاعَتَهُنَّ لتُرْتَجى» في إشارة إلى آلهتهم اللات والعُزَّى ومناة، ففضح الله إلقاء الشيطان(9)، فهذا يبين أن المشركين إنما كانوا يطلبون من تلك الأصنام الشفاعة في تيسير أمور حياتهم وتحسين شؤون معاشهم وكشف الضرّ والبلاء عنهم.



والأمر ذاته كان لدى المجوس في عقيدتهم بالملائكة الذين كانوا ينتظرون منهم الشفاعة والترّحم ليُمطر الله على الناس المطر وينبت الزرع والثمر، وكانت النصرانية هي الدين الوحيد الذي يتحدث عن الحياة بعد الموت ودخول ملكوت السماء، ومع ذلك فقد طرح موضوع الشفاعة أيضاً فيه بكل قوة ولكن بصورة مختلفة.



فآيات الشفاعة في القرآن التي تبيِّن أن الشفاعة موقوفة على إذن الله ومنوطة بمشيئته كثيرٌ منها يشير إلى تلك الشفاعة التي كانت الأمم الماضية لاسيما عرب الجاهلية يؤمنون بها لأجل حاجاتهم في الدنيا وإصلاح أمور معاشهم وذلك كما قال تعالى في سورة البقرة: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [البقرة:255] حيث جاءت هذه الجملة بعد قوله تعالى: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾ [البقرة:255]، فلم يأتِ هنا كلامٌ عن الآخرة حتى يكون هدف الشفاعة غفران الذنوب فيها، وكذلك قوله تعالى: ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [يس:23-24].



فهذه الآيات تنفي الشفاعة بمعنى قدرة غير الله على تدبير أمور السماء والأرض وإيصال الضرّ والنفع بدون إذن الله أي تلك الشفاعة ذاتها والتوسل والتوسط ذاته الذي كان الزردشتيون وأتباع الفلاسفة القائلون بالعقول العشرة ينتظرونه من الملائكة، وأهل الجاهلية ينتظرونه من أصنامهم وآلهتهم الملائكة أيضاً.



نعم إن القرآن الكريم يُصدِّقُ حقيقةَ أن الملائكة أُوكل إليها القيام ببعض شؤون الخليقة، مثل ملك الموت المأمور بتوفي نفوس العباد كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [السجدة:11]. أو قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ﴾ [الأنعام:61]، ومثل الملائكة التي أوكل إليها تدبير بعض الأوامر كما في قوله سبحانه: ﴿ فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا ﴾ [النازعات:5]، أو قوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ ﴾ [الانفطار:10]، وقوله تعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ [الطارق:4]، ولكن أياً من هؤلاء الملائكة لا يمكنهم التصرف في الكون والمكان دون إذن من رب العالمين، وأكثرهم لا تصرف له أصلاً في أمور الخليقة كما نقرأ في سورة النجم قوله تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم:26] فالخطاب في هذه الآية موجه في الواقع إلى عُبّاد الأصنام الذين أشارت الآيات التي قبلها إلى أنهم كانوا يعبدون الملائكة وينحتون أصناماً على شكلها الذي يتصورونه وذلك في قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم:19-23]، كما أنها ذات علاقة بالشفاعة العامة والاستغفار الذي تقوم به الملائكة للمؤمنين.



وبعد أن ينفي اللهُ سبحانه وتعالى الشفاعةَ عن الملائكة إلا لمن يأذن له ويأمره بها بحق من يرتضيه، يقول عقب ذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى * وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾ [النجم:27-28]، وهؤلاء الذين لا يؤمنون بالآخرة هم ذاتهم الذين وصفتهم الآية التالية من السورة ذاتها في قوله تعالى: ﴿ فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [النجم:29]، فلم يكونوا يتوقعون من الملائكة الشفاعة في أمور الآخرة بل كانوا يظنون أنهم يشفعون لهم في أمور الدنيا وأحوال المعيشة. وقد ذمّهم الله تعالى بسبب اعتقادهم بتلك العقيدة وبيّن لهم أنه لا يوجد كائنٌ أياً كان يمكنه أن يتدخل - بدون إذن الله وأمره - في أمور الدنيا والآخرة. ويقول سبحانه في سورة الزمر: ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ * قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر:43-44]، أي لا يجوز لأي إنسان أن يتّخذ شفيعاً فيتوجه إليه بالعابدة والدعاء من دون الله لأنَّ مُلْكَ السموات والأرض له وحده، وبالتالي فالتصرف بهما له وحده ولا يملك سواه حق التصرف فيهما، ثم يقول بعد ذلك مباشرة ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر:45]، ففي هذه الآية الأخيرة يظهر بكل وضوح وجلاء أن الوثنيين المشركين المستشفعين بالملائكة لم يكونوا يؤمنون بالآخرة وبالتالي فإن استشفاعهم بالملائكة كان لأجل الأمور الدنيوية.



وقد أجاب الله على هؤلاء بقوله: ﴿ قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [الزمر:44] فلمّا كان الملك والملكوت والسموات والأرض بيد الله وحده إذ هو خالق الكلّ ومدبِّر الكلّ فلا يحقّ لأحد أن يتطفَّل ويتدخَّل في ملكه تعالى ولمّا كان الأمر كذلك، فدعاءُ أيِّ كائنٍ سوى الله والاستمداد منه بحجة طلب الشفاعة منه شركٌ وعمل ضالٌّ ولا يغني عن صاحبه شيئاً إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه....



وإذا كان فريقٌ من الوثنيِّين يؤمنون ببقاء الأرواح بعد الموت فإنَّ كثيراً منهم ما كانوا يعتقدون بوجود حساب وكتاب وثواب وعقاب حتى يلتجئوا إلى الشفاعة لأجلها. إِذَنْ فالشفاعة في مذهب الوثنيِّين المشركين كانت منحصرة في الأمور الدنيوية، وهي شفاعة نفاها الله أو جعلها موقوفة على إذنه، فإذا كان لبعض الملائكة وظائف في عالم الكون بإذن الله وبأمره فإنهم لا يملكون فعل ذلك إلا ضمن أمره وإذنه واستناداً إلى حوله وقوته.



أما الشفاعة بشأن الجزاء الأخرويّ فلا توجد في القرآن المجيد أيّ آية أو جملة تدل بصراحة على وقوع شفاعة إنسان من بني آدم لأيِّ إنسان آخر يوم القيامة، بل على العكس تنفي آيات القرآن بشكل صريح وواضح أن يُغْنِيَ شخصٌ عن آخر شيئاً مطلقاً يوم القيامة، كما في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [الدخان:41].



وكما يكرر تعالى في سورة البقرة: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [البقرة:48]. ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [البقرة:123]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة:254].



ولاحظ أن الآية الأخيرة تبتدئ بقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [البقرة:104] ثم تنفي كل صور الشفاعة والوساطة يوم القيامة ﴿ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ ﴾ [البقرة:254] مما يُبْطِلُ بشكل قاطع دعوى الذين يتصوَّرون أن نفيَ الشفاعة خاصٌّ بالشفاعة للكفار وعبّاد الأصنام أمّا المؤمنين فسيتمتَّعون يوم القيامة بشفاعة مستجدّة أخرويَّة.



ويؤكِّد هذا قوله تعالى: ﴿ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأنعام:51] فلا شكِّ أن الذين يخافون أن يُحْشَرُوا إلى ربِّهم هم من المؤمنين الموحِّدين، ومع ذلك بيَّن تعالى بكل وضوح أنه ليس لديهم ذلك اليوم -أي يوم القيامة - وليٌّ ولا شفيعٌ.



ويدلُّ عليه كذلك قوله تعالى بعدها: ﴿ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا ﴾ [الأنعام:70]. ففي كل تلك الآيات تم نفي الشفاعة بشأن الإنقاذ من العذاب الأخروي المستحق على نحو لم يترك لطامعٍ أيَّ مطمعٍ وعلى نحوٍ يجعل المؤمنين يائسين من هذا الباب كلياً.



نعم إن ما يتمسك به مدّعو الشفاعة بشأن الجزاء الأخرويّ هو ما جاء من استثناء عقب بعضِ الآيات القرآنية النافية للشفاعة كقوله تعالى في سورة مريم: ﴿ وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ﴾ [مريم:86-87]، مع أن هذه الآية ذاتها تنفي الشفاعة، لأن الاستثناء الذي جاء في آخرها هو إما استثناء منقطعٌ والكلام بعده مستأنف معناه: لا يملكون الشفاعة ولا أحد ينقذهم ولا ينجو أحدٌ إلا من كان لديه عهدٌ عند اللهُ أن ينقذه من العذاب. وهذا العهد هو الذي قطعه الله على نفسه لأبناء آدم أن ينقذ من النار كلَّ من كان منهم موحداً صالحاً مُتَّبِعاً لهداية رُسُلِهِ فقال: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس:61](10).



أو يكون الاستثناء حقيقياً والمقصود به أنه إذا كان لدى المجرمين عهد فهذا سينقذهم ولكن لا وجود لمثل هذا العهد، وفي هذا إشارة إلى العهد الذي يدعيه المؤمِّلُون بالنجاة دون وجه حق وهو الذي ذكره الله تعالى في سورة البقرة حين قال: ﴿ وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة:80] أي أنه لو كان لكم عند الله عهدٌ بأنكم مهما عصيتم وارتكبتم من الآثام فإن الأنبياء والأولياء والملائكة سيشفعون لكم فتغفر لكم ذنوبكم ولا تُعذبون إلا أياماً معدودة، فإن الله سيفي بعهده ولكن الله لم يعط أحداً مثل هذا العهد.



والواقع أن القرآن الكريم ردّ مسألة الشفاعة (بمعنى التدخل في الآخرة لرفع العذاب عن مستحقيه) ردّاً شديداً كما بينَّاه إلى حدّ أنه لمّا نقل لنا قول الكفار في تبريرهم عبادة الملائكة بوصفها شفعاءهم عند الله: ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [يونس:18]، ردَّ ادعاءهم فوراً بقوله: ﴿ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [يونس:18]، أي أن الله تعالى لم يضع في ملكه نظام وجود شفعاء يتوسطون لرفع العقاب عن مستحقيه..... وهذا مَثَلُه كمثل من يخبرك بأن الشخص الفلاني شريك لك في بيتك وأثاثك فتجيبه وأنت الأعلم بأمور ممتلكاتك بأن لا علم لك بذلك! ثم يبين تعالى أنه منزه عن اتخاذ الشركاء مما يُنبئُ أن من يعبد سواه بوصفه من الشفعاء قد ارتكب الشرك وجعل لِـلَّه شركاء في أمره. وهذا عين ما يقع فيه جُهَّال الشيعة وغلاتهم بأئمتهم وبعض أتباع المذاهب الأخرى برؤسائهم الدينين.



الهوامش:

(Cool انظر سيرة ابن هشام (ج1/ص83)، والبداية والنهاية لابن كثير ج2/ص188. (المترجم)



(9) قصة الغرانيق روتها بعض كتب الشيعة والسنة وقد طعن بصحتها علماءٌ من الفريقين. (المترجم)



(10) ربما كان الأولى أن يستشهد المؤلف هنا بقوله تعالى: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة:38]. (المترجم)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ملكة الصفا
كبـــآر الشـــــخصــيآت
كبـــآر الشـــــخصــيآت
ملكة الصفا


انثى
عدد الرسائل : 4127
العمر : 40
العمل/الترفيه : مهندسة كمبيوتر
المزاج : 100%
ااعلام الدول : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Ly10
الوسام : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Tamauz
تاريخ التسجيل : 10/06/2009

نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة   نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Icon_minitime1/12/2010, 19:41

شكرا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نور القمر
الــمــديـر الــعــام
الــمــديـر الــعــام
نور القمر


ذكر
عدد الرسائل : 2322
العمر : 35
ااعلام الدول : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Dz10
الوسام : نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة W4
تاريخ التسجيل : 09/11/2008

نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Empty
مُساهمةموضوع: رد: نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة   نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة Icon_minitime1/13/2010, 20:55

العفو اريج نورتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نظرة تاريخية الى مفهوم الشفاعة لدى الامم السابقة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات بحر النجوم  :: منتدى العام :: نفـــحـــات إيـــمــانــيـــهـــ-
انتقل الى: