الصدق
في التوكل على الله....قصـة الذي استلف ألف دينار
بسم الله الرحمن
الرحيم
ما أحوج الإنسان في زمن طغت فيه المادة , وتعلق الناس فيه بالأسباب إلا
من رحم الله , إلى أن يجدد في نفسه قضية الثقة بالله , والاعتماد عليه في قضاء
الحوائج , وتفريج الكروب , فقد يتعلق العبد بالأسباب , ويركن إليها , وينسى مسبب
الأسباب الذي بيده مقاليد الأمور , وخزائن السماوات والأرض , ولذلك نجد أن الله عز
وجل يبين في كثير من المواضع في كتابه هذه القضية , كما في قوله تعالى : {وكفى
بالله شهيدا} (الفتح 2, وقوله : {وكفى بالله وكيلا } (الأحزاب 3) , وقوله : {
أليس الله بكاف عبده } (الزمر 36) , كل ذلك من أجل ترسيخ هذا المعنى في النفوس ,
وعدم نسيانه في زحمة الحياة , وفي السنة قص النبي صلى الله عليه وسلم قصة رجلين من
الأمم السابقة , ضربا أروع الأمثلة لهذا المعنى .
والقصة رواها البخاري في
صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أنه ذكر رجلا
من بني إسرائيل , سأل بعض بني إسرائيل أن يُسْلِفَه ألف دينار , فقال : ائتني
بالشهداء أُشْهِدُهُم , فقال : كفى بالله شهيدا , قال : فأتني بالكفيل , قال : كفى
بالله كفيلا , قال : صدقت , فدفعها إليه إلى أجل مسمى , فخرج في البحر , فقضى حاجته
, ثم التمس مركبا يركبها يقْدَمُ عليه للأجل الذي أجله , فلم يجد مركبا , فأخذ خشبة
فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , وصحيفةً منه إلى صاحبه , ثم زجَّجَ موضعها , ثم أتى
بها إلى البحر , فقال : اللهم إنك تعلم أني كنت تسَلَّفْتُ فلانا ألف دينار ,
فسألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا , فرضي بك , وسألني شهيدا , فقلت : كفى
بالله شهيدا , فرضي بك , وأَني جَهَدتُ أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له , فلم أقدِر
, وإني أستودِعُكَها , فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه, ثم انصرف , وهو في ذلك
يلتمس مركبا يخرج إلى بلده , فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء
بماله , فإذا بالخشبة التي فيها المال , فأخذها لأهله حطبا, فلما نشرها , وجد المال
والصحيفة , ثم قَدِم الذي كان أسلفه , فأتى بالألف دينار , فقال : والله ما زلت
جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه , قال : هل كنت
بعثت إلي بشيء , قال : أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه , قال : فإن الله
قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة , فانْصَرِفْ بالألف الدينار راشدا )
هذه
قصة رجلين صالحين من بني إسرائيل , كانا يسكنان بلدا واحدا على ساحل البحر , فأراد
أحدهما أن يسافر للتجارة , واحتاج إلى مبلغ من المال , فسأل الآخر أن يقرضه ألف
دينار , على أن يسددها له في موعد محدد , فطلب منه الرجل إحضار شهود على هذا الدين
, فقال له : كفى بالله شهيدا , فرضي بشهادة الله , ثم طلب منه إحضار كفيل يضمن له
ماله في حال عجزه عن السداد , فقال له : كفى بالله كفيلا , فرضي بكفالة الله, مما
يدل على إيمان صاحب الدين , وثقته بالله عز وجل , ثم سافر المدين لحاجته , ولما
اقترب موعد السداد , أراد أن يرجع إلى بلده , ليقضي الدين في الموعد المحدد , ولكنه
لم يجد سفينة تحمله إلى بلده , فتذكر وعده الذي وعده , وشهادةَ الله وكفالتَه لهذا
الدين , ففكر في طريقة يوصل بها المال في موعده , فما كان منه إلا أن أخذ خشبة ثم
حفرها , وحشى فيها الألف الدينار, وأرفق معها رسالة يبين فيها ما حصل له , ثم سوى
موضع الحفرة , وأحكم إغلاقها , ورمى بها في عرض البحر , وهو واثق بالله , متوكل
عليه , مطمئن أنه استودعها من لا تضيع عنده الودائع , ثم انصرف يبحث عن سفينة يرجع
بها إلى بلده , وأما صاحب الدين , فقد خرج إلى شاطئ البحر في الموعد المحدد , ينتظر
سفينة يقدُم فيها الرجل أو رسولا عنه يوصل إليه ماله , فلم يجد أحدا , ووجد خشبة
قذفت بها الأمواج إلى الشاطئ , فأخذها لينتفع بها أهله في الحطب , ولما قطعها
بالمنشار وجد المال الذي أرسله المدين له والرسالة المرفقة , ولما تيسرت للمدين
العودة إلى بلده ,جاء بسرعة إلى صاحب الدين , ومعه ألف دينار أخرى , خوفا منه أن
تكون الألف الأولى لم تصل إليه , فبدأ يبين عذره وأسباب تأخره عن الموعد , فأخبره
الدائن بأن الله عز وجل الذي جعله الرجل شاهده وكفيله , قد أدى عنه دينه في موعده
المحدد .
إن هذه القصة تدل على عظيم لطف الله وحفظه , وكفايته لعبده إذا
توكل عليه وفوض الأمر إليه , وأثر التوكل على الله في قضاء الحاجات , فالذي يجب على
الإنسان أن يحسن الظن بربه على الدوام , وفي جميع الأحوال , والله عز وجل عند ظن
العبد به , فإن ظن به الخير كان الله له بكل خير أسرع , وإن ظن به غير ذلك فقد ظن
بربه ظن السوء .